Admin Admin
عدد المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 10/07/2009
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 10/07/2009
| موضوع: رد: الشهيد المهندس يحيى عيّاش السبت 9 يناير 2010 - 13:03 | |
| مقدمة
حين يُكتب تاريخ فلسطين -الشعب والقضية- بأيد منصفة وأمينة، ستدرك الأجيال المتعاقبة أن يحيى عياش أو (المهندس) كما عرف في حياته يحتل مكاناً بارزاً بعد أن سطر ملحمة تاريخية خالدة من أجل فلسطين ومات في سبيل الله وفلسطين فوق أرضية صلبة من الفهم العميق بطبيعة القضية الفلسطينية. فقد أدرك يحيى معادلة التعامل مع العدو منذ أن لمست يداه أول سيارة مفخخة أعدها لاستنهاض الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته ومختلف تياراته نحو مقاومة شاملة للاحتلال الذي لا يفهم إلا لغة المقاومة ومفردات القوة، ولذلك أعلن زعماءه وقادته يأسهم واعترفوا قائلين: ماذا نفعل لشاب يريد الموت.
«المهندس» هو عنوان الأسطورة الفلسطينية الحقيقية التي جددت الأمل وقتلت اليأس وأعادت الحياة إلى روح الجهاد والمقاومة في فلسطين بما كتبته من صفحات مشرقة في حكاية الصمود والجهاد البطولي في ظل أسوأ الظروف. وقصة المهندس معروفة، ومحفوظة بمداد الحب في قلوب معاصريه، واسمه تردد بشكل دائم في كل منتدى وبيت وعلى كل شفه ولسان من المغرب وحتى اليمن. وذكره مئات الملايين من العرب والمسلمين عندما أظلمت الدنيا واشتدت الأزمات، وفاضت على وجوههم مظاهر الألم والقهر والإحباط.
لقد عرف يحيى عياش موطن ضعف عدوه، ومكمن قوة شعبه، فاستغل معرفته لإعادة جزء من التوازن المفقود للقوى بين شعبه الأعزل وعدوه المدجج بالأسلحة، عن طريق نقل الصراع من ساحة المادة الضيقة إلى ميدان المعنويات الأرحب. فأصبح الصراع بين عدو مكبل بالخوف من الموت وشعب يعشق التضحية في سبيل حريته. ولأن للبطولة طعم آخر في اللحظات الحاسمة فإن يحيى عياش يكاد يتفرد بين أبطال الشعب الفلسطيني، فقد جاء في ذروة الانهيار ليعلن أن الشعب الذي تحفر القبور لدفن قضيته ما زال مفعماً بالحياة، وأن مقولات اليأس الرسمية ليست أكثر من رماد يواري الجمر المتقد في صفوف الشعب.
في عمره القصير صنع يحيى عياش الكثير، فقد أدرك منذ البداية أنه يسابق الزمن حين قرر العمل على نسف جدار الأمن الشاهق الذي أقامه الصهاينة مستغلين ترسانتهم العسكرية وخبراتهم المتراكمة في مواجهة شعب أعزل محاصر، فكان مبادراً حيث لا فائض من الوقت لدى شعب يحيا واحدة من أكثر مراحل تاريخه المعاصر حرجاً. وعاش لشعبه ومن أجله رحل، في وقت يتصارع المهزومون على فتات يظنون أنه مغانم حرب وضعت أوزارها.
إن هذه الشخصية المتميزة في عطائها وقدرتها على المبادرة والتجديد تستحق أن نقف عندها وقفة متأملة، فاحصة نستطلع حياتها ومكامن العظمة في شخصيتها، ونقوم تجربتها الرائدة ونستخلص العبر من مسيرة عطائها الحافلة بالتضحيات في سبيل الرسالة التي آمنت بها ونذرت نفسها وحياتها لتحقيقها. ولئن جسد يحيى عياش، حالة الشاب القروي البسيط، الذي كان من الممكن أن يكون كغيره من الآلاف الذين يحملون الشهادة الجامعية مهندساً عادياً يعمل في إحدى الشركات أو الورش ويتقاضى راتباً مرتفعاً في إحدى الدول ويعيش في أفخم الشقق وأرقى الأحياء والمدن، إلا أن بطلنا تغاضى عن هذا كله وقفز فوق كل الحواجز وتمسك بإسلامه وقضيته. فكانت المقاومة والجهاد حبه الكبير الذي أعطاه عصارة أفكاره وعاطفته مجسداً في الوقت نفسه القدرة على الفعل الحقيقي من دون خطابة أو إعلام، فهو لم يظهر متحدثاً وراء الكاميرات ولا كاتباً عن إنجازاته وأعماله في صحف أو وسائل إعلام. ولم يكن يقلقه أبداً أن يعلن الآخرون عن أعمال قام بها، ولا حتى أن يختلفوا فيما بينهم حول هذه الأعمال ونسبتها، فقد تربى على يد والديه البسيطين، ونهل من منهل الإسلام، فنشأ بسيطاً ومتواضعاً تواضع المؤمنين بغير ادعاء، الذين يعطون بغير تفاخر. ولعله لاحظ أن الإعلان عن فعل العطاء يفقده الأثر، كما يفقد الجهر بالإحسان الثواب.
واطمأنت نفس مهندسنا إلى ضرورة التمويه والاختفاء، إذ أن العدو المحتل يقف بالمرصاد، يجمع فتات المعلومات، محاولاً الوصول إلى من تحول بالنسبة إليه العدو رقم (1) باعتبار أنه «مخرب خطير وشبح مفزع». وهكذا عرف الناس من البيانات الإسرائيلية وتعليقات الصحف العبرية من هو يحيى عياش دون أن يتحدث هو أو يتكلم وإنما كان يجتهد في وضع الخطط الجديدة وإعداد التعليمات التي تناسب المرحلة في ورش صناعة الشهداء. فترسخت صوره في العقول والقلوب والأذهان كشخصية أسطورية وبطلاً قومياً نشر الموت في دروب الاحتلال وهزم الأسطورة المزيفة من جيش وأجهزة أمن في الدولة العبرية.
لم يكن المهندس يبحث عن دور تاريخي بقدر ما كان الدور التاريخي يبحث عن قائد، ولم يكن يحيى نجومياً يبحث عن الشهرة والشعبية بقدر ما كانت الجماهير تائقة إلى بطل تلتف حوله يعيد للأيام بهجتها وللحياة طعمها وللإسلام انتصاراته وشموخه. ولأن نماذج القادة الأبطال الذين تنتجهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا يركبون موج الصدفة ولا يتسلقون حبال العشوائية أو يركبون أحضان المستجدات، بل هم دائماً على موعد دقيق مع أقدارهم وعلى أهبة الاستعداد لأداء دورهم في حيز الوجود والفعل ثم الرحيل بشموخ مع إشراقة الشمس، كان ألم محبيه من مشرق الوطن العربي ومغربه فاجعاً حين أفاقت عيون الملايين ذات صباح على صورته وهي تتصدر مئات المطبوعات والدوريات على اختلاف لغاتها ولهجاتها ولكناتها معلنة أن المهندس الذي أثار غيظ الصهاينة وسكن ساحة الرعب الهستيري لدى الجمهور الإسرائيلي قد استشهد وترك شعبه فجأة. ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن ينضم المهندس إلى طابور أبطال المقاومة والقادة والشهداء، ويتبع بلا خوف ولا تردد أو انقطاع هتاف صلاح الدين الأيوبي وعز الدين القسام وعبد القادر الحسيني. فالذي يعيش زهرة شبابه وحياته كلها مجاهداً تكون الشهادة نصب عينيه دائماً بل إنه اشتكى مراراً بأن هذه الأمنية التي كانت تراوده دائماً قد تأخرت. وحين جاءت، جاءت كجزء من العمل، بل كرمز لهذا الجهاد المشرف، تماماً مثل الرمز الذي حمله منذ أن أعد عمليته الأولى. وكل ما فعله المهندس الأسطورة أنه أكمل الرمز حتى النهاية، وأكمل حلقة الحياة التي بدأها منذ أن صرخ في أذن الدنيا ومسمع الحياة في السادس من آذار (مارس) عام 1966.
أما إسرائيلياً، فإن الكيان الصهيوني لم يبد اهتماماً بمقاتل أو شخص يفوق الاهتمام الذي أبداه تجاه المهندس يحيى عياش. فقد جند الآلاف من العسكريين لملاحقته وجعله رئيس مصلحة المخابرات العامة (الشاباك) هدفه الأول منذ تعينه في منصبه وسخر كل طاقاته وتفكيره وجهود جهازه وعملائه. وأُرسلت الوحدات الخاصة في أثره ونُصبت كمائن له في كل مكان، في الجبال والكهوف والبيوت المهجورة ومخيمات اللاجئين، ولم تعد تقريباً قرية إلا وداهمتها وحدة مختارة من الجيش الإسرائيلي وفيما اقتفى العشرات من ضباط المخابرات وقوات المستعربين وجنود المظلات الذين يحملون صورة الشاب صاحب الكوفية الحمراء أثاره لأكثر من ثلاث سنوات، أضحى يحيى عياش الهاجس الأساس لاسحق رابين الذي أصبح يسأل عنه في كل اجتماع لمجلس الوزراء، وفي كل مرة يلتقي هيئة الأركان وقادة الشاباك. ولهذا، كان يحيى عياش محور العديد من الدراسات الإسرائيلية التي حاولت حل لغز الشاب الذي ينتقل دون كلل أو ملل يجند وينظم الشبان ويصنع الأبطال والشهداء منهكاً دولة وحكومة وأجهزة استخبارات تعد من أشد الأجهزة العالمية.
ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن مشكلة سلطات الاحتلال مع المهندس، شكلت أعقد المشاكل الأمنية التي واجهتها المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين. فالرجل الأسطورة قد سن سنة غريبة عن بني صهيون تتمثل في العمليات الاستشهادية، والتي يستحيل مقاومتها حسبما قال رابين نفسه. فقد برع المهندس بتصنيع المتفجرات من أدوات ومواد متاحة، مما أوجد مشكلة كبيرة لدى أجهزة الاحتلال في تتبع مصادر الأسلحة، كما أن عياش ابتكر نموذج حقائب المتفجرات والقنابل البشرية (تفخيخ الاستشهاديين)، وهي مشكلة أعقد من السيارات المفخخة. وكأن المهندس أراد أن ينقل رسالة اعتبارية قبل أن يفوز بلذة النظر إلى وجه ربه الكريم وهي أن رجلاً واحداً -مخلصاً لهدفه ومعتقداته- وبعدة متاحة لكل من يشاء يستطيع أن يمرغ غطرسة الكيان الصهيوني في التراب ويرعب قياداته وجنوده ويجعلهم يحفظون صورته ويعلقونها في مكاتبهم ويحملونها في دورياتهم وينسجون حولها الأساطير الغريبة.
وإذا ترجل المهندس واستراح من عناء الملاحقة، فإن الأسطورة لم تنته. وإنما ترسخت، فالمهندس الذي استشهد في انفجار دبرته أجهزة الإرهاب ورحل بعد سنوات من الحرب بكل المقاييس بينه وبين جيوش وأجهزة الاحتلال في كل مكان، خط لجميع المجاهدين في فلسطين درباً لن يزول. فقد أمضى يحيى عياش العام الأخير من حياته في تدريب وإعداد عشرات الخلفاء له، إذ يؤكد المقربون له بأن المهندس الذي كان يتوقع الموت مع كل طرفة عين كان دائماً يردد: «بإمكان اليهود اقتلاع جسدي من فلسطين غير أني أريد أن أزرع في الشعب شيئاً لا يستطيعون اقتلاعه».
هذا الكتاب مجرد محاولة للإبقاء على يحيى الرمز بعد أن غاب يحيى الإنسان، وللحفاظ على جزء من الذاكرة الفلسطينية التي تتعرض لمحاولات طمس وتشويه استعداداً للدخول إلى عهد جديد تنقرض فيه البطولة ونماذج الفداء كما يريد أحبار هذا العصر وصناعه.
يتبع ....
| |
|
Admin Admin
عدد المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 10/07/2009
| موضوع: رد: الشهيد المهندس يحيى عيّاش السبت 9 يناير 2010 - 13:06 | |
| البيئة والرمز
توطئة
يعتمر القلب شرف عظيم ويشعر المرء في الوقت نفسه بالتضاؤل حين يهم باسترجاع صفحات من قصة عاشق الجهاد الذي اختار البندقية وجاهد بدون ادعاء وقدم دون أن يأخذ وعاش من أجل أن يعيش الوطن وتبقى القضية. ومع أن رحيل الشهيد القائد يحيى عياش نخر العظم وأدمى الفؤاد وأوجع الأمة التي حفظت اسمه كمعلم من معالم فلسطين وتاريخ ناطق يحكي عن عبقرية رجل كان على موعد مع الأقدار، فركل زخرف الدنيا بقدميه وأقسم على مواصلة الدرب حتى الشهادة، إلا أن عزاءنا أن المهندس لم يكن في حياته والتزامه مجرد شخص اختار طريق العزة، بل كان إلى جانب ذلك نموذجاً بارزاً لجيل فلسطيني كامل. ومن خلال تمثيله لهذا الجيل، ومن خلال تعبيره عنه، اكتسب قيمته كمجاهد وقائد.
والذين يعرفون يحيى عياش، يقولون بأنه ينتمي إلى طبقة أولئك الناس البسطاء الذين يشكلون القاعدة العريضة لمجتمعنا. ولأنه من هذه الطبقة، فقد تربى على الإيمان والصدق والوفاء والبساطة والتواضع، وعلى البر بالأهل والوطن. وجسد هذا الفتى القروي البسيط، تلك الشخصية المتميزة والرائدة التي تركت مهنة الهندسة وما تمثله من إغراءات وحوافز دنيوية وكرست نفسها وحياتها وحياة عائلتها لصناعة المجد في ربوع الوطن ونثر عطر الشهادة وسط عتمة الليل. وظل شهيدنا حتى آخر نبض في عروقه مخلصاً لعقيدته، ممتطياً صهوة جواده في ميادين الجهاد والمقاومة، لا يكل ولا يمل ولا توقفه أكذوبة (الأمر الواقع) أو (الظروف)، يتقدم جماهير الشرفاء في دك حصون الأعداء ويلقن جنودهم وقطعان مستوطنيهم طعم الرعب والموت. وهو بذلك يستحق أن نقف عنده وقفة متأملة، فاحصة، نستطلع حياته والبيئة التي عاش فيها والتربية التي تلقاها، محاولين استخلاص العبر ومكامن العظمة في مسيرة عطائه الحافلة بالعمل والجهد الخلاق.
واليوم، وقد غادرنا المهندس مبحراً بعيداً عن شواطىء الحياة، راحلاً إلى الفردوس الأعلى وجنات النعيم بعد أن قضى عمره بأفضل ما تقضى به الأعمار، وأضيف اسمه إلى لائحة أبطال هذه الأمة وغدا رمزاً يقتدي به الفتيان ويتربى على سيرته الأطفال وتردد الصبايا اسمه في أناشيدهن وأغانيهن. فإن افتقار الذاكرة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية إلى مثل هذه الشخصية، يدفعنا إلى اختراق الجدار الذي أقامه الشهيد حول حياة الشموخ والعزة التي عاشها ومسيرة التاريخ منذ أن تفتح الفجر في عينيه. فقد كان -رحمه الله- كما سنرى مدرسة كاملة في الخلق والتضحية والجهاد والإيثار الذي يسمو بصاحبه فوق الأغراض والأشخاص والمآرب الذاتية الضيقة. | |
|
Admin Admin
عدد المساهمات : 170 تاريخ التسجيل : 10/07/2009
| موضوع: رد: الشهيد المهندس يحيى عيّاش السبت 9 يناير 2010 - 13:15 | |
|
أولاً: القرية والعائلة
1- رافات تدخل التاريخ
تقع قرية رافات، على قمة هضبة مرتفعة ضمن سفح عرق الجبال التي تشكل رأس المثلث بالنسبة لمدن نابلس ورام الله وقلقيلية. وعلى الرغم أنها تبعد عن مدينة طولكرم (27) كيلومتراً، إلا أنها تتبع من الناحية الإدارية لواء سلفيت في محافظة نابلس، لأن مدينة نابلس التي تقع على مسافة (38) كيلومتراً شمال شرق القرية ذات نشاط تجاري أوسع وأكبر من مدينة طولكرم إلى جانب توفر المواصلات والطرق إليها بشكل أفضل. وتحيط مجموعة من قرى العرقيات برافات، فالزاوية تقع إلى الشمال، ومسحة إلى الشمال الشرقي وتجاورها بديا وسرطه من الشرق، في حين تقع دير بلوط في الجنوب وبروقين وكفر الديك في الجنوب الشرقي. وتمتد الأراضي المحتلة منذ عام 1948 بانبساط واضح في الاتجاه الغربي حيث التجمعات الاستيطانية الواسعة مثل مستوطنات (عيليه زهاف) و(بدوئيل). واسم (رافات) مشتق من جذر (رفا) سامي مشترك يفيد اللين والتراخي والرفاه والشفاء، وبذلك يكون معناها مكان الراحة والاستسقاء(1).
تبلغ مساحة أراضي رافات (8125) دونماً من بينها (24) دونماً مخصصة للبناء ودونمان للطرق والوديان، والباقي تعتبر أراضي زراعية يزرع فيها القمح والشعير والكرسنة والخضار. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو (634) دونماً من أراضي القرية مزروعة بأشجار الزيتون ونحو (200) دونماً أخرى مزروعة بأشجار الفواكه كالتين والعنب وغيرها. كما تحتوي أراضي القرية على أساسات مبان تاريخية وأرضيات مرصوفة بالفسيفساء والبلاط ومداخن منحوتة في الصخر وصهاريج تعود إلى العصور القديمة وبخاصة القرن السادس الهجري(2).
الحياة في رافات لم تكن يوماً سهلة، فالقرية تفتقر إلى مصادر المياه الجارية والكهرباء والاتصالات، إذ تشرب رافات من مياه الأمطار وتعتمد معظم العائلات على بطاريات السيارات ومولدات الكهرباء المتنقلة لتشغيل الأجهزة الكهربائية. وحتى عام ،1967 لم يكن بالقرية مسجد، إذ أن المسجد القديم الذي بناه المماليك عام 672هـ هدمته القنابل خلال الحرب العالمية الأولى نظراً لوقوع القرية على خط التماس بين الجيش العثماني والجيوش البريطانية الغازية. وتعاني القرية من صعوبة وصول السيارات إليها بسبب تدهور وضع الشارع الرئيسي الذي تم تعبيده عام ،1985 كما أن عدم وجود شبكة للهاتف تربط القرية بالعالم الخارجي زاد من معاناة أهل القرية(3).
وفي ضوء هذه الأوضاع، لا غرابة أن تتأخر مسيرة التعليم في القرية، إذ لم يكن في رافات سوى خمسة رجال يلمون بالقراءة والكتابة حتى العام 1948. وهو العام الذي تم فيه تأسيس مدرستان، واحدة للبنين، أعلى صفوفها الخامس الابتدائي، وثانية للبنات ضمت الصفين الأول والثاني الابتدائي فقط(4).
أما بالنسبة لعدد سكان رافات، فإنه لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع. إذ تشير الوثائق القديمة بأن (92) نفساً كانوا يسكنون القرية عام ،1922 ما لبث عددهم أن ارتفع في عام 1931 إلى (127) يسكنون (31) بيتاً. وفي نيسان1945 قدرت المصادر البريطانية عدد سكان رافات بنحو (180) شخصاً. وفي التعداد العام للسكان الذي أجرته المملكة الأردنية الهاشمية في الضفة الغربية بتشرين ثاني/ نوفمبر 1961 كان عدد سكان القرية (375) شخصاً، بينهم 167 من الذكور و 208 من الإناث(5). ومنذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية لم يجر أي تعداد للسكان، وإن كانت معظم المصادر الصحفية تقدر عدد سكان رافات اليوم بين 1500 و 1700 نسمة معظمهم من الفتيان والشباب. ويعتمد هؤلاء في معيشتهم على الزراعة والعمل في ورش البناء في فلسطين المحتلة منذ عام 1948.
ظلت رافات قرية مغمورة حتى خلال سنوات الانتفاضة، إذ لم تذكرها وسائل الإعلام سوى مرة واحدة فقط حين اقتحمت قوات الاحتلال مسجد القرية بسبب نشاطات الشباب المسلم في مواجهة الدوريات العسكرية، غير أنها أضحت محط أنظار وسائل الإعلام المحلية والإسرائيلية والعالمية. فمنذ عام ،1992 تعرضت قرية رافات وسكانها للحصار والمراقبة والتفتيش والاقتحام المستمر فيما انتشر جنود المستعربين والوحدات الخاصة على مداخل قرى الزاوية ودير بلوط المؤديتين لرافات بالإضافة إلى إقامة حواجز عسكرية دائمة في محيط القرية. وذلك بسبب شاب واحد من أهل القرية طاردته سلطات الاحتلال وأصبح فيما بعد المطلوب رقم (1) للدولة العبرية التي نشطت كل أجهزتها للكشف عن مكانه ومحاولة إلقاء القبض عليه.
2- عائلة عياش
ينحدر يحيى عياش من عائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936(6). عبد اللطيف ساطي محمود عياش، والد الشهيد، ظل ملتصقاً بأرض الآباء والأجداد يعمل في الزراعة تارة وفي أعمال نقش الحجارة تارة أخرى. وفي عام ،1955 تطوع عبد اللطيف في الجيش العربي الأردني حيث خدم كجندي بسلاح المشاة في عدة مواقع عسكرية، وعلى وجه التحديد تلك المواجهة لبلدة كفر قاسم على خط الهدنة بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية.
وحين ترك الجيش عام ،1963 عاد عبد اللطيف إلى مهنة الزراعة ونقش الحجارة في قريته وتزوج من قريبته عائشة عياش(7).
بنى عبد اللطيف وعائشة بيتهما المتواضع، وكونا عائلة صغيرة ضمت بالإضافة إليهما ثلاثة أبناء: يحيى الذي ولد في عام ،1966 ومرعي الذي ولد عام ،1969 وأخيراً يونس الذي ولد في عام 1975.
يتبع ...
| |
|